ترامب بوابة خير لتركيا

  • 28 - 12 - 2016
  • 7753
تركيا وأمريكا حليفان استراتيجيان، وكلتا الدولتين عضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، ولكن تعاطي واشنطن مع ملفات متعلقة بالأمن القومي التركي يظهر أنها لا ترى أنقرة كحليف، وأن العلاقات التركية الأمريكية ليست على ما يرام

، بل هناك تعارض كبير بين خطط واشنطن ومصالح تركيا، وكلتا الدولتين منزعجة من موقف الأخرى، وما يخيِّم على علاقاتهما الثنائية حالياً هو عدم الثقة. ومع ذلك، تستمر العلاقات بينهما، وتعقد اجتماعات التنسيق، ولا تبدو في الأفق رغبة في فك الارتباط.

بعد فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية، "هل يمكن أن يحل الرئيس الأمريكي الجديد الأزمة التي تشهدها العلاقات التركية الأمريكية؟" يطرح الأتراك هذه الأيام هذا السؤال ويبحثون عن جوابه، إلا أن سقف توقعاتهم ليس عاليا، لاعتقادهم بأن المصالح الأمريكية هي التي تحدد مواقف واشنطن، وليست توجهات الرئيس. ومع ذلك، يأملون من ترامب، على الأقل، أن يسلم زعيم الكيان الموازي فتح الله كولن إلى تركيا، نظراً لدعم جماعة كولن حملة المرشحة الديمقراطية ضد المرشح الجمهوري.

ترامب نفسه بعث رسائل إيجابية إلى تركيا في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز أجريت بعد أسبوع من محاولة الانقلاب الفاشلة، وقال فيها إنه لا يعتقد أن محاولة الانقلاب مسرحية، مضيفاً أنه يثمن قدرة أردوغان على دحر هذه المحاولة.

هذه التصريحات مهما كانت تعزز آمال الأتراك في معالجة بعض المشاكل التي تعاني منها العلاقات التركية الأمريكية، إلا أن الأفضل انتظار الخطوات الملموسة من ساكن البيت الأبيض الجديد نحو تصحيح أخطاء إدارة أوباما في الملفات المتعلقة بالأمن القومي التركي.ِ

وان الأتراك أبدوا تعاطفهم مع ترامب، بسبب مواقف الإدارة الأمريكية الديمقراطية من تركيا بعد محاولة الانقلاب العسكري، ورفضها تسليم غولن، وحديث كلينتون عن دعم الميليشيات الكردية الإرهابية التي تخوض معها تركيا حربا في الداخل والخارج.

في المقابل ورغم تصريحاته العنصرية ضد المسلمين والأجانب، كان موقف ترامب واضحا في إدانة محاولة الانقلاب العسكري في تركيا، متهماً إدارة أوباما بالتورط في دعم الانقلابيين.

وهذا يشير إلى أن إدارة ترامب قد تصور تركيا على أنها منارة للإسلام الراديكالي إن نشبت خلافات بين البلدين حول سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

وحتى لو تخلى الرئيس ترامب عن بعض هذه المواقف، فإن من المحتمل أن يتخذ ترامب موقفاً قوياً من طهران، وموقفاً ودياً من العرب المعادين لجماعة الإخوان المسلمين، الحليف المقرب لتركيا، وموقفا قوياً من الجماعات الإسلامية الأخرى.

وان ترامب حريص أيضا على استعادة العلاقات الودية مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وتنسيق العمل العسكري في سوريا. وعلى الرغم من المصالحة الأخيرة بين روسيا وتركيا، فلا تزال بينهما خلافات جوهرية حول مدة بقاء الأسد في السلطة، ووجود المقاتلين الإسلاميين في شمال سوريا، ورغبة تركيا في إقامة منطقة أمنية على طول الحدود التركية السورية.

إذ يحفل مكتب الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، بتحدياتٍ عديدة، تواجه العلاقات الأميركية – التركية، على الرغم من التحالف القوي بين البلدين في إطار حلف شمال الأطلسي "الناتو"، ولعل سبب هذه التحديات جملة أزمات الشرق الأوسط التي أثرت على علاقات البلدين، والمخاوف التركية من السياسة الأميركية، ولا سيما بخصوص القضية الكردية والتحالف الناشئ بين واشنطن وكرد سورية، ومن خلفهم حزب العمال الكردستاني، في إطار الحرب ضد "داعش". ثمّة في تركيا من يعلق أهميةً على وصول ترامب إلى البيت الأبيض، ويرى هؤلاء أن ترامب الذي يسعى إلى تحسين علاقات بلاده بروسيا بوتين سيجد سبيلاً إلى حلٍّ للأزمة السورية، بعد أن فاقمت السياسة الأميركية من هذه الأزمة، واستنزفت الجميع. ويرى هؤلاء أن تركيا التي حسنت من علاقاتها مع روسيا، أخيراً، ستجد في هذا المسار أو السلوك مخرجاً لتسوية الأزمة السورية، وبما يساهم في تحسين العلاقات التركية - الأميركية، إلا أن مثل هذه الرؤية تصطدم برؤية فريق آخر، يرى أن سياسة ترامب هذه ستطلق يد روسيا، ليس في سورية فقط، وإنما في عموم منطقة الشرق الأوسط، وهو ما قد يؤثر سلباً على الاستراتيجية التركية والمشروع التركي الذي خططه الرئيس رجب طيب أردوغان، في إطار رؤيته لتركيا عام 2023.

ويرى هؤلاء أن أولوية ترامب ليست إسقاط النظام السوري، أو رحيله، وإنما محاربة "داعش"، وأن مرحلة ما بعد "داعش" ستكون على شكل اهتمام كامل بالداخل الأميركي. مستندين في ذلك إلى قناعةٍ تقول إن حجم الخراب في سورية والعراق وليبيا واليمن سيشكل حافزاً لترامب في انتهاج مثل هذا السلوك، اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، خصوصاً أن ترامب ينظر إلى وضع أوروبا بحذرٍ شديد، حيث الخروج البريطاني من الاتحاد وتداعياته، وملامح التفكك الأوروبي والأزمات الاقتصادية المتداخلة بقضايا اللاجئين، وغيرها من القضايا الكفيلة بدفع ترامب إلى إعادة النظر في سياسات بلاده.

بغض النظر عن أثر هذه القضايا على العلاقات التركية – الأميركية، ثمة قضيتان حسّاستان ستحدّدان مسار العلاقات بين البلدين في المرحلة المقبلة. الأولى: التحالف الأميركي – الكردي والدعم الأميركي لكرد سورية، وتحديدا وحدات حماية الشعب وقوات سورية الديمقراطية، ولعل تصريحات ترامب السابقة حول كرد سورية، وإشادته بمقاومتهم ومحاربتهم "داعش"، وتأكيد أهمية مواصلة تقديم الدعم لهم، بما في ذلك السلاح، يشكل مؤشراً سلبياً بالنسبة لتركيا التي بدأت تنظر بكثير من الغضب والخوف إزاء الصعود الكردي على حدودها الجنوبية. والحديث التركي هو أن كلفة عدم التدخل العسكري لضرب هذه القوات الكردية بات أكثر من كلفة الانتظار لوضع حد للصعود الكردي الذي بات يشكل خطراً على الأمن القومي التركي.

الثانية: إن قضية تسليم واشنطن الداعية فتح الله غولن ستبقى تظلل العلاقات التركية - الأميركية في المرحلة المقبلة، ولا سيّما أن الموقف الأميركي ينظر إلى هذه القضية من منظار قانوني، وليس سياسياً، وهو ما قد يعرقل تسليم غولن، وهو ما قد يؤزم العلاقات بين البلدين، في ظل إصرار تركيا على تسليم غولن، بوصفه المتهم الأول بالوقوف وراء محاولة الانقلاب العسكري.

من دون شك، ستكون هذه القضايا من أهم تحديات العلاقة التركية مع الإدارة الأميركية الجديدة، من دون أن يعني ما سبق توقع حصول تغييرات جذرية في هذه العلاقة، لطالما أن الذي يتحكّم بها هو العلاقة التاريخية المتينة بين البلدين، وموقع تركيا الاستراتيجي في السياسة الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، فضلا عن عضويتها في حلف شمال الأطلسي.

ولا يخفي ترامب إعجابه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان. فقد قال إن أردوغان يمكن أن يلعب دورا محوريا في حل أزمات أخرى، مثل الصراع المسلح في سوريا، والتهديدات التي يشكلها المتطرفون هناك

 

رؤى خليل سعيد

*- باحثة- وحدة الابحاث والدراسات- مركز حمورابي.


اذا لم تظهر لك التعليقات فأعد تحميل الصفحة (F5)

مواضيع أخرى للناشر

5 قواعد استراتيجية لإنتاج العلم والمعرفة

يمضي الطالب الجامعي ما يقارب 20 سنة في التعلّم، ما بين المدرسة والثانوية والجامعة، وأحيانًا تطول أكثر من ذلك بكثير.
......المزيد

6 رؤساء موساد سابقون: "نحن في مرحلة خطرة لمرض خبيث"

مفاضلة الحكام الصهاينة: ضياع القيم بين اللاأخلاقي والاجرامي ابدى ستة رؤساء سابقين لجهاز لموساد الصهيوني قلقهم على مستقبل الكيان الصهيوني
......المزيد

ثقافة الأشهر الثلاثة (رجب، شعبان وشهر رمضان)

تلتقي برامج التثقيف الاسلامي عند محور مركزي يمثل الدورة الثقافية السنوية الأم التي تتفرع عنها وتتماهى معها كل برامج السنة
......المزيد

الشهادة

الإمام والتحرك السياسي: لقد كابد المسلمون عموماً، والعلويون وشيعة آل البيت الويلات جراء الحكم العباسي المتغطرس، فقد قاسوا ظلم المنصور
......المزيد

إمامة الكاظم (عليه السلام): مواجهة منظمة وجهاد مرير وطويل

إمامة "الكاظم" (ع): مواجهة منظمة وجهاد مرير وطويل(1) لقد كانت حياة موسى بن جعفر عليه السلام المليئة بالأحداث؛ حياةً مليئةً
......المزيد

إطلالة عامة على حياة الإمام الكاظم عليه السلام

شخصية الإمام الكاظم عليه السلام: ولد أبو الحسن موسى عليه السلام في الأبواء بين مكة والمدينة في يوم الأحد السابع
......المزيد

رؤية الإمام قدس سره في خصوص تنصيب الولي الفقيه

يظهر من بعض الكتابات الفقهيّة للإمام أنّ الوليّ الفقيه يتمّ تنصيبه من قِبَلِ الشارع المقدّس. حيث يعتقد الإمام أنّ الولاية
......المزيد

الجمع بين رؤيتي الإمام الخميني قدس سره

قد يخطر لبعضٍ، وفي الوهلة الأولى، وجود تناقض بين رؤيتي الإمام المتقدّمتَين. ومن هنا حاول بعض المحقّقين في آثار الإمام
......المزيد