تقييم لأهمية العلاقة بين إيران والعراق
فلقد أظهرت التجربة إن هناك ثلاث دول محورية تشكل ميزان القوى في منطقة الخليج العربي هي (إيران والعراق والمملكة العربية السعودية) تسعى كل دولة من هذه الدول إلى تعزيز نفوذها وتأكيد هيمنتها على مجمل النظام الإقليمي الخليجي، تمثل إيران إحدى هذه الدول، ولما كان هدف هذه القوى تعزيز النفوذ (والذي هو بالتأكيد لابد إن يكون على حساب الطرف الأخر) فيكون من المنطقي إن يأخذ كل طرف من هذه الأطراف طموحات الطرف الأخر في حسابات سياسته الخارجية. ومن هنا جاءت أهمية دراسة الموقف الايراني حيال العملية السياسية في العراق.
فالمجتمع الخليجي ينظر إلى إيران بعين الشك والريبة ويعود جزء كبير من ذلك الموقف إلى الخلافات العقائدية طويلة الأمد بين المذهب الشيعي الذي تدين به إيران والمذاهب الاسلامية الاخرى المنتشرة في المنطقة العربية بشكلها العام والخليجية بشكل خاص. ,والمذاهب الاسلامية
إن الملاحظة الاساسية على الموقف الإيراني حيال العراق هو التبدل الجوهري لطبيعة الموقف حيال النظام السياسي في العراق والذي كان وليد جملة متغيرات افرزها الواقع الاقليمي والدولي الذي شهدته المنطقة العربية في العقد الاول من القرن الحادي والعشرين. التي افضت إلى احتلال العراق مـــــــــــــن قبل الولايات المتحدة، وما يعنيه ذلك صراحة من تغيير في الخريطة السياسية للمنطقة الذي اضر بالتوازن الإقليمي الخليجي من زوايا عدّة: تغير طبيعة النظام السياسي في العراق من نظام شمولي الى اخر ليبرالي تحرري.
إذ أثار هذا التحول مخاوف إيران ودول الخليج العربية من اختلال توازن القوى في المنطقة وهو ما يؤدي إلى زيادة تحديات الاستقرار والأمن بالمنطقة وذلك نتيجة لتغير النظام السياسي في العراق وتواجد قوات الاحتلال الامريكي التي هددت معادلات الاستقرار الأمني السياسي بمنطقة الخليج لصالح الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المنطقة، إذ أصبح ولأول مرة في استطاعة الولايات المتحدة الأمريكية فرض هيمنتها الكاملة وبلا منازع على منطقة الخليج، لذلك نجد إن السياسة الإيرانية في المرحلة التي تلت احتلال العراق تبنت حقيقة أساسية مفادها: إن على إيران التكيف مع ميزان القوى الجديد في المنطقة والذي أدت الولايات المتحدة دوراً رئيساً في إقامته.
والتكيف هذا يستلزم من إيران بالتأكيد تحسين علاقتها مع العراق ودعم نظامه السياسي الجديد حتى لا يمثل تهديد مستقبلي لإيران. لذلك بدأت إيران بدعم النظام السياسي في العراق منذ ايام تأسيسه الاولى بعد عام 2003، اما العراق من جانبه فقد رحب بهذا الدعم فهذا شأن أي نظام حديث التكوين يبحث عن الدعم الاقليمي والدولي خاصة وإن العراق قد وجد نفسه بعد العام 2003 في بيئة اقليمية غير معترفة بشرعيته. لذا فهو بحاجة إلى كل انواع الدعم المتاحة طلباً لتدعيم مكانة العراق ونفوذه في المنطقة وكسراً لحالة الجمود والعزلة التي عاشها العراق في بيئة اقليمية غالبية انظمتها شمولية والنظام العراقي الوحيد هو الديمقراطي ومع ذلك سعت إيران إلى كسب تعاونه في اطار استراتيجيتها الهادفة إلى خلق دوائر تعاونية نوعية أرحب، ربما تكون إسلامية او نفطية مثلما تنظر إيران إلى العراق يمثل امتداداً لتحالف يضمن بيئة اقليمية اكثر قبولاً وحليفاً من الممكن أن يعتمد عليه، خاصة وإن إيران تواجه تحدي المجتمع الدولي الداعي إلى فرض عقوبات اقتصادية على إيران فهي تحتاج إلى التنسيق مع اهم القوى المنتجة للنفط حتى تستطيع الضغط على المجتمع الدولي للحد من المواقف العدائية حيال إيران. وكذلك تحتاج إيران إلى رئة اقتصادية تتنفس عن طريقها اذا ازدادت حدت العقوبات الاقتصادية عليها خاصة في اعقاب اعلان الولايات المتحدة تجميد الارصدة الايرانية، الامر الذي سيدفع بأوروبا إلى اتخاذ اجراءات مماثلة مما يجعل وجود الحليف الاقليمي المتمثل بالعراق ضرورة ملحة، وهذه الضرورة عكسها الموقف الإيراني المؤيد للعملية السياسية التي شهدها العراق.
الدكتور فايق حسن الشجيري- عضو مركز حمورابي