الضغط على آمانو.. حربة ترامب الجديدة ضد الإتفاق النووي

  • 10 - 09 - 2017
  • 21311
بعد الرفض الدولي وخاصة رفض الدول الخمس الكبرى روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، لمحاولات أميركا المتكررة إثارة الشكوك حول التزام ايران بالاتفاق النووي،

بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطة جديدة تتمثل بممارسة الضغوط على الوكالة الدولية للطاقة الذرية لدفعها إلى تسييس تقاريرها التي أكدت جميعها على التزام إيران الكامل بالاتفاق النووي.

حربة ترامب الجديدة لمواجهة الإجماع الدولي الرافض لمساعيه من أجل التشكيك بالتزام إيران بالاتفاق النووي، تمثلت بإرساله مندوبة أميركا في الأمم المتحدة نيكي هيلي إلى فيينا ولقاء مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو ومسؤولين آخرين في الوكالة، من أجل أن "تعرف منهم ما إذا كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتزم تفتيش مواقع عسكرية إيرانية للتأكد من التزام طهران بالاتفاق النووي"، على حد تعبير كيلي.

يبدو أن الهدف من زيارة هيلي لفيينا هو "مطّ" عمليات التفتيش بشأن البرنامج النووي الإيراني لتشمل المنشات العسكرية الإيرانية، وهو هدف تعرف أميركا قبل غيرها أنه لا يمكن تحقيقه بأي شكل من الأشكال، فهو يتناقض مع روح ومضمون الاتفاق النووي، كما يعتبر خطاً أحمر بالنسبة لإيران التي لم ولن تسمح لا لأميركا ولا غيرها من التجسس على منشآتها وصناعتها العسكرية التي تعتبر قوة الردع التي حالت دون ارتكاب أميركا لأي عمل عسكري أحمق ضدها، كما أجبرت إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما على التفاوض معها بشان برنامجها النووي، بعد أن اعترف أوباما وفي أكثر من مرة أنه كان يفضل تفكيك البرنامج النووي الإيراني بأكملة لو كان بإمكانه ذلك.

وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قال في رسالة بعثها إلى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو حول زيارة هيلي إلى فيينا: "انه حتى قبل تنفيذ الزيارة، فإن كيفية التخطيط لها والدعاية حولها والمؤشر الذي تبعثه، لها تداعيات سلبية ملحوظة على التنفيذ الناجح للاتفاق النووي"، رافضا الضغوط الأميركية على الوكالة الدولية، داعياً الأخيرة إلى التمسك بحياديتها ومهنيتها.

الغريب أن هيلي التي تتقاسم الرعونة مع ترامب، ردت على ظريف بالقول إنه: "من اللافت جدا لي أن إيران قلقة من زيارتي إلى فيينا. لو كان حسابهم نظيفاً فلا ينبغي أن يقلقوا من اسئلتي للوكالة الدولية للطاقة الذرية"، بينما فات هيلي أن القوى الخمس الكبرى هي القلقة وليس إيران من تصرفات وسلوكيات إدارة ترامب التي تتآكل ويتساقط رجالها يوميا، بسبب الفوضى وعدم وضوح الرؤية لدى هذه الإدارة ورئيسها الذي ألغى الاتفاق مع كوبا وخرج من اتفافية باريس للمناخ وهدد كوريا الشمالية بالسلاح النووي، وأخيرا دفاعه المخزي عن الجماعات العنصرية في أميركا.

حساب إيران نظيف بشهادة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبشهادة الدول الخمس الكبرى التي وقعت على الاتفاق، وبشهادة إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وليس هناك أدنى قلق لدى إيران بهذا الشأن، التي بإمكانها أن تخرج من الاتفاق خلال ساعات، في حال انتهكته أميركا، وأن تعود إلى وضع ما قبل الاتفاق النووي وتخصب اليورانيوم بنسبة 20 بالمائة خلال خمسة أيام لا أكثر.

تقول هيلي إنها تريد أن تطرح على مسؤولي الوكالة أسئلة بشأن إيران والتزامها بالاتفاق النووي ومن هذه الأسئلة سؤال: "هل لديهم سلطة فحص المواقع العسكرية الآن؟ هل لديهم سلطة فحص أي مواقع مريبة الآن؟"، بينما العالم أجمع رأى كيف رئيسها ترامب جن جنونه عندما أخطرت وزراة الخارجية الأميركية، بموجب القانون الأميركي، الكونجرس بالتزام إيران بالاتفاق النووي، وهو إخطار يتكرر كل 90 يوما، فهدد وتوعد أن إدارته ستعلن عدم التزام إيران بالاتفاق في الموعد النهائي التالي في أكتوبر تشرين الأول!! الأمر الذي يفسر الهدف من زيارة كيلي إلى فيينا ومن اسئلتها التي لا ترتبط من قريب أو بعيد بالاتفاق النووي ومدى التزام إيران به.

حلفاء أميركا الغربيين هم أكثر الجهات قلقاً من سياسة ترامب المتخبطة، فهم على دراية تامة من أن ترامب يرفض الاتفاق من الأساس ولا علاقة لهذا الرفض بالتزام أو عدم التزام إيران، فموقفه يعكس رغبة اللوبي الصهيوني في أميركا، وإلا فإن الاتفاق النووي يعتبر من أكبر إنجازات الدبلوماسية الدولية بشهادة كبار مسؤولي الدول الموقعة عليه ومن ضمنهم المسؤولين الأميركيين، وقبل يوم واحد من وصول هيلي إلى فيينا قال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش إن الأمين العام يرى أن الاتفاق النووي الإيراني "أحد أهم الإنجازات الدبلوماسية في بحثنا عن السلام والاستقرار".

الضغط على أمانو باستخدام هيلي هو حربة ترامب الجديدة، على أمل أن يتم "دس" بعض السموم في التقرير الدوري لأمانو حول الاتفاق النووي، وهي حربة تبدو صدئة من الآن، فالاتفاق النووي هو الخيار الدولي الوحيد أمام القوى الكبرى للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني السلمي، وهو خيار فرض نفسه على جميع تلك القوى وفي مقدمتها أميركا، لذلك ليس بمقدور ترامب ولا غيره أن يعيد الأوضاع إلى ما قبل الاتفاق النووي، فالبدائل الاخرى للاتفاق، دون استثناء، لن تكون في صالح أميركا، وأهون تلك البدائل عزلة أميركا وابتعاد حلفائها عنها.

كتب/ ماجد حاتمي

مركز حمورابي


اذا لم تظهر لك التعليقات فأعد تحميل الصفحة (F5)

مواضيع أخرى للناشر

5 قواعد استراتيجية لإنتاج العلم والمعرفة

يمضي الطالب الجامعي ما يقارب 20 سنة في التعلّم، ما بين المدرسة والثانوية والجامعة، وأحيانًا تطول أكثر من ذلك بكثير.
......المزيد

6 رؤساء موساد سابقون: "نحن في مرحلة خطرة لمرض خبيث"

مفاضلة الحكام الصهاينة: ضياع القيم بين اللاأخلاقي والاجرامي ابدى ستة رؤساء سابقين لجهاز لموساد الصهيوني قلقهم على مستقبل الكيان الصهيوني
......المزيد

ثقافة الأشهر الثلاثة (رجب، شعبان وشهر رمضان)

تلتقي برامج التثقيف الاسلامي عند محور مركزي يمثل الدورة الثقافية السنوية الأم التي تتفرع عنها وتتماهى معها كل برامج السنة
......المزيد

الشهادة

الإمام والتحرك السياسي: لقد كابد المسلمون عموماً، والعلويون وشيعة آل البيت الويلات جراء الحكم العباسي المتغطرس، فقد قاسوا ظلم المنصور
......المزيد

إمامة الكاظم (عليه السلام): مواجهة منظمة وجهاد مرير وطويل

إمامة "الكاظم" (ع): مواجهة منظمة وجهاد مرير وطويل(1) لقد كانت حياة موسى بن جعفر عليه السلام المليئة بالأحداث؛ حياةً مليئةً
......المزيد

إطلالة عامة على حياة الإمام الكاظم عليه السلام

شخصية الإمام الكاظم عليه السلام: ولد أبو الحسن موسى عليه السلام في الأبواء بين مكة والمدينة في يوم الأحد السابع
......المزيد

رؤية الإمام قدس سره في خصوص تنصيب الولي الفقيه

يظهر من بعض الكتابات الفقهيّة للإمام أنّ الوليّ الفقيه يتمّ تنصيبه من قِبَلِ الشارع المقدّس. حيث يعتقد الإمام أنّ الولاية
......المزيد

الجمع بين رؤيتي الإمام الخميني قدس سره

قد يخطر لبعضٍ، وفي الوهلة الأولى، وجود تناقض بين رؤيتي الإمام المتقدّمتَين. ومن هنا حاول بعض المحقّقين في آثار الإمام
......المزيد