عامل النظافة

-الله يساعدك..
-يساعد بختك، هلا خوية..
-تسمحلي؟
-إبشنو إتريدني اسمحلك ابو الشباب؟
-تسمحلي أقبّل إيدك؟ ، هاي الإيد اللي جاي تجاهد في سبيل الحصول على لقمة الحلال لصاحبها وعائلته، الإيد اللي تحمل أوساخنا وقذاراتنا وترميها بعيدا عنا لتجنبنا الأمراض والاوبئة، تسمحلي أبوس هاي الإيد الطيبة؟
-إتروح منااااااا لا وعلي إبنابيطالب أصلخك براشدي أطيّر شرار عيونك..
إلتفتُ محرَجا يمينا وشمالا أخاف ناس جاي تباوعلنا، وسألته بصوت خافت :
-ليش خوية غلطت وياك بشي؟!
-وحگ ربك إذا ماتمشي منا، أسحلك من هذا إرباطك الوردي وأمسح بيك الشارع طول وعرض..
-ولك غير إتفهّمني ليش هيچ منفعل عليّه، ماعوفك إذا ماتجاوبني..
-أستغفر الله ياربي، الله وماطوّلچ ياروح، إكبري يبطني، شوف خالي : إنت عندما تجي وتبوس إيدي، عبالك عود إنت جاي تكرّمني وتشرفني بهذا فعلك؟ بالعكس إنت جاي تهينّي..
-إشلون جاي أهينك؟
-إنت في لاوعيك وفي عقلك الباطن تعتبر نفسك أفضل مني، وآني أقل شأنا منك، يجوز إنت ماشاعر بهذا الشي بالظاهر، ولكنك في العمق تعتقد إني أدنى شأنا منك، ولذلك حبيت حضرتك تثبت لنفسك أو للناس أنك بالإضافة إلى كونك إبن ناس ومرتب فأنت أيضا متواضع، فترجّلت من سيارتك وزاحمت نفسك وإنطيت من روحك ونزلت تسلم على هذا الشخص الفقير الحقير صاحب المهنة المتواضعة، لا مو بس هاي وإنما تواضعت أكثر وأردت تقبيل يده، لكي تثبت لنفسك وللآخرين كم أنت عظيمٌ ومتواضع في نفس الوقت..
إنبهرت بمنطقه وظليت بس فاتح حلگي، نظر إلى الأسفل قليلا ثم رفع رأسه وهو يرمقني بنظرة إشفاق قائلاً :
-ممكن أسألك؟
-إتفضل..
-تدري آني أشتغل "كنّاس"؟
أجبته بسرعة شديدة : (الشغل مو عيب)..
-شفت؟ مو گلتلك إنك في أعماقك تحتقرني!!
-إشلون إستنتجت هذا الإستنتاج العجيب؟!!
-عندما يسألك شخصٌ عن مهنتك أو عملك وتجيبه على سؤاله، فإذا عقّب على جوابك قائلا : (الشغل مو عيب)، فإعلم أن مهنتك معيبة في نظر المجتمع الذي تعيش فيه!!
نظرت إلى الأسفل خجِلاً، وقلت له بنبرة ضعيفة : الآن أنا مصرٌ على تقبيل يديك أكثر من السابق، ليس لأنك عامل نظافة، ولكن لأنك لقنتني درسا نفسيا عظيما في بضع دقائق، علمتني أن التواضع في كثير من الأحيان هو صورة خفية من صور التكبر والغرور، وأن الشعور بالإمتنان لما يقوم به الآخرون من تفاني في عملهم يستدعي المساعدة الفعلية والوقوف معهم في محنهم بصورة عملية، وليس الإمتنان مجرد كلمات ثناء جوفاء أو تقبيل أيادي لامعنى له..
#باسم_الشبلاوي