الفنان المسلم بين تعبيره الفني وعقيدته الدينية

  • نشره :

  • 13 - 01 - 2014
  • 6050
التعبير الفني هو العلاقة الوجدانية بين الفنان والموضوع او بين الفنان وانتاجه ، والتعبير الفني : هو خبرة آنية من معلومات من ادراك ، تخيل ، تذكر ، عمليات انفعالية ، والخبرة هي معلومات سابقة ( تراكمات) . ان كل الحضارات اختلفت فيها طرز الفن واساليبه وفقا للمعتقدات والمبادئ والقيم التي كان الانسان يؤمن بها ويشكل سلوكه الاجتماعي وفقا لها . ونتوقف هنا عند الحضارة الانسانية الكبرى التي خرجت من الجزيرة العربية ، ونعني بها الحضارة الاسلامية ، تلك التي خلفت كل الحضارات القديمة ، وكانت معبر الانسان الى حضارته الحديثة . ومن الطبيعي ان يخطر لنا هذا السؤال ، فنحن نقرأ " ألم تكن للعرب حضارة قبل الاسلام " ؟ لقد تمر علينا " فن الاربسك" وهي تعني الفن العربي ، فهل فن الاربسك هو الفن الاسلامي نفسه ؟ والواقع ان عبارة ( فن الاربسك) لا تعني فنا عربيا منفصلا او مستقلا عن الفن الاسلامي ، بل هو متضمن فيه . فالفن الاسلامي اهم من فن الاربسك ، وفي اغلب الاحيان تدل عبارة فن الاربسك على اسلوب زخرفي بعينه ، لعل بداياته الاولى قد نشأت لدى العرب منذ وقت مبكر قبل ظهور الاسلام ، ثم نما وازدهر وجدت فيه تنويعات مختلفة ، واكتسب مضمونا روحيا بظهور الاسلام وانتشاره . ان العرب قبل الاسلام يحكمهم النظام القبلي وشيخ القبيلة وكان لكل قبيلة اومجموعة من القبائل إله تعبده ، ولكن هذه الاله لم تكن – في حدود ما نعرف من رموز لعقيدة دينية موسعة تستوعب الحياة والانسان والكون والوجود ، بل كانت مجرد اشباع للشعور الديني العميق الجذور ، البعيد التاريخ في حياة الانسان . فلقد عبدو الشمس والقمر والكواكب ، ولكن ما اثار هذه العبادة في حياتهم ؟ لقد صنعوا لالهتهم تماثيل يعبدونها ، فهل كانت كآلهة الصينيون والاغريق ، واغلب الظن لم تكن كذلك لان العرب لم يشغلوا انفسهم بفن النحت ، فقد كان للعرب كراهة للحرف والصناعات اليدوية فقد كان العربي يترك ذلك للعبيد ولغير العرب كصناعة الاسلحة وسروج الخيل والاقمشة والابسطة وغيرها . فلا غرابة ان يعزف عن مزاولة الاعمال التشكيلية . بينما نرى اهتمام الحضارات القديمة الاخرى بالمعابد وضخامتها وتؤدي فيها عبادتها وطقوسها واحتفالاتها الدينية ، اما العرب فليس لديهم الا الكعبة وهو البيت القديم الذي اقامه ابراهيم عليه السلام ، ولم يكن في عمارته حينذاك ما يلفت النظر ، ولم يكن حج العرب اليه خالصا للعبادة ، بل كان مناسبة تجمع تجاري واجتماعي وسياسي في المكان الاول . نستطيع ان نقول ان العرب قبل الاسلام كانوا في مخاض حضاري – اذا صح التعبير – ان اهم ما يلفت النظر اليه في ذاك الزمن هو "الشعر" الذي بلغ حدا من النضوج والاستواء قبل البعثة المحمدية . فقد تغلغل في نفس العربي ايما تغلغل وعكس صورة هذه الحياة بكل ما يموج فيها من مشاعر وقيم وافكار . لقد كان بديلا عن كل الفنون . الشعر – فن زماني- ينتقل مع الانسان حيثما يذهب ، دون تكلف ومشقة حمل وهو الفن الذي يتكاثر نموذجه الواحد تكاثرا سريعا ومذهلا دون ان يكلف احدا ادنى مشقة ، سوى ان يستوعبه في ذاكرته . وان الفن الشعري انسب انواع الفن لطبيعة الحياة العربية من جهة ، وقرب الوان التعبير الوجداني العربي من جهة اخرى . ولكون الانسان العربي المسلم لم ينشغل بفن التصوير والتمثيل ، فقد حدد اسلوب العمل الفني بالاسلوب التجريدي . ولقد الفنا ان ننظر الى الرسوم والاشكال التجريدية في الفن الاسلامي بوصفها مجرد زخارف ، تستهدف اثارة المتعة الجمالية الصرف ، لا اكثر ولا اقل . ولكن لابد ان تكون هذه النظرة قاصرة ، أي ان الفن التجريدي زخرفة حقا سواء في ذلك الفن الاسلامي التجريدي والفن التجريدي الحديث . لكن الزخرفة ليست هي كل شيء فيه ، بل لعلها اقل الاشياء خطرا . وهي قبل كل هذا ليست اصلا للعمل الفني او غاية منه . فلن تكن الزخارف التي حليت بها المساجد مجرد اشكال زخرفية لا طائل وراءها سوى ما تمنحهُ لمشاهدها من قيمة جمالية حسية صرفه . بل كان لها في الغالب مضمونها الروحي النابع من التصورات الاساسية للانسان المسلم ، فيما يختص بالكون والله والانسان ، وبالعلاقات الرهيفة ، الراسخة في الوقت نفسه في نفس الانسان ، التي تربطه بهذه الاشياء . ان الفنان المسلم حين كان يعمل في تغطية جدران المسجد بالرسوم – حيث ترعرع الفن الاسلامي – كان يعمل وهو يستشعر في نفسه الحضرة الالهية . اما الجانب الاخر فيتصل بما يدعوا الفنان الى اللجوء الى التجريد ، وفي هذا يقول " مارسيل برييون" : " ان الفنان عندما يشغل نفسه بإكساب الشكل طابعا روحيا ، واستشعار ما هو فوق الحسي ، فانه يفر دائما الى الاسلوب التجريدي ووسائله التعبيرية ، ما دام هذا الشيء الذي هو فوق الحسي صالحا للتعبير عنه من خلال أي شكل من الاشكال ، بخاصة الشكل التجريدي . فالعقيدة الدينية لا تدفع بالفنان بالضرورة الى انتهاج الاسلوب التجريدي ،  لكنه وفقا لطابع التصورات التي تكون هذه العقيدة الدينية او تلك يكون لجوء الفنان الى الاسلوب التشخيصي او التجريدي . اما في الحضارات القديمة الاخرى فتمثل الاله على صورة انسان او حيوان او طائر والفنان يلجأ الى التجسم في مختلف اعماله الفنية المرتبطة بالعقيدة . اما في الاسلام فقد رسخت في نفس المسلم عقيدة الاله الواحد ، العلوي الابدي الازلي ، ذو الكمال المطلق الذي لا شبيه له ، وليس كمثله شيء ، فلا يمكن ادراك هيئته سبحانه ، ومن ثم لا يمكن تصويره او تجسيمه . ويبقى ان يعبر الفن عن هذه التصورات ، فلا يجد اسلوبا يتفق ودلالاتها الروحية سوى الاسلوب التجريدي . وعلى هذا لابد ان تكون الاشكال المعبر عنها في الفن الاسلامي قد ارتبطت على نحو ما بهذه التصورات .


اذا لم تظهر لك التعليقات فأعد تحميل الصفحة (F5)

مواضيع أخرى للناشر

محاضرات

أختر من القائمة أعلى يسار الفيديو
......المزيد

نشاطات

أختر من القائمة أعلى يسار الفيديو
......المزيد

المحاضرة الثالثة

المحاضرة الثالثة لدورة (تعليم اللغة الفارسية ) في مقر مؤسسة النخب الأكاديمية
......المزيد

إلى الشهيد النمر في عرسه الأعظم

د إياد الأرناؤوطي قُلْ للنـجومِ الشامخــــــــــاتِ: تبتّـــــــــــلي وقَـــعي سُجودًا عند بابيَ، وانزلــــي وتلبّســـــــي نـحـــــــــري الذبيــــحَ قلادةً حســــناءَ، من زهرِ الجنان،
......المزيد

شاهد بالفيديو..الشهيد الشيخ النمر: لانهاب الموت ونعشق الشهادة

نشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو كليب لأجمل ما قاله الشهيد الشيخ النمر في خطاباته.
......المزيد

السعودية والشيخ النمر.. رمتني بدائها وانسلت!

شخصياً لا أستغرب من أي وصف أو تعبير يطلقه الاعلام السعودي (والخليجي الموالي له) على اعدائه أو منافسيه.. لأنه اعلام
......المزيد